Abstract
نعود في هذا المقام إلى ما سمّاه شيخنا العلواني بالقيم العليا الحاكمة الثلاث: التوحيد والتزكية والعُمران، لنتناول قيمة العُمران، بوصفه مفهوماً مركزياً من مفاهيم القرآن الكريم، ولنجتهد في تقديم رؤية معرفية لهذا المفهوم من مرجعية قرآنية. فإذا كان التوحيد يتعلق أساساً بالرؤية الإسلامية للإله الخالق المدبِّر، والتزكية تتعلق بالرؤية الإسلامية للإنسان المخلوق المستخلف، فإنَّ العُمران يتعلق بالرؤية الإسلامية لوظيفة الإنسان في الكون المستخلف فيه، فيكون العُمرانُ –وَفق هذه الرؤية- قيمةً معيارية تقاس بها "قيمة" الحياة في عُمُر الإنسان الفرد، أو عُمُر الجماعة أو الأمة، وقيمةً معيارية "تُقوَّم بها" الجهود والإنجازات الحضارية "العُمرانية" للفرد أو الجماعة أو الأمة.
ونؤكد مرة أخرى أنَّ هذه القيم الثلاث تتَّصل ببعضها اتصالاً وثيقاً، فالتوحيد هو الحقيقة الكبرى في هذا الوجود، وهي حقيقة تستمد قيمتها من ذاتها، وعنها يصدر غيرها من الحقائق. والكون كله خاضع بالفطرة لمتقضيات التوحيد، فإذا أراد الإنسان أن ينسجم مع فطرة الكون، فلا بد أن يتزكى، فيتوجه إلى الله وحده بالعبادة، فهو سبحانه "إله الناس" (توحيد العبودية)، مثما هو "رب الناس" (توحيد الربوبية) و"ملك الناس" (توحيد الحاكمية). فالتزكية موضوعها الإنسان المستخلف، وهو موضوع الإصلاح في الواقع الإنساني، وَفقاً لما يهدي إليه الخالق الواحد من رعاية مخلوقاته وتدبير شؤونها. لذلك فإنَّ التزكية هدف العُمران ووسيلته، وهي تدخل في صميم البناء الاجتماعي والعمران البشرى.
وتكوِّن هذه القيم الثلاث معاً مرجعية مقاصدية لبيان غاية الحق من الخلق، ومنظومة معيارية للقيم التي تنبثق عنها سائر القيم الرئيسية والفرعية في دين الله، ولكن هذه المنظومة ...
للحصول على كامل المقالة مجانا يرجى النّقر على ملف ال PDF في اعلى يمين الصفحة.
When an article is accepted for publication, copyrights of the publication are transferred from the author to the Journal and reserved for the Publisher.