الملخص
من المشكلات الكُبرى التي ألقت بظلالها على تاريخ الفكر الفلسفي الحضري تصوُّراتُ تأسيس العمران البشري وَفق مبادئ مُحدَّدة وقواعد عامة مُطلَقة تَحْكم الاجتماع الإنساني؛ إذ كان من غير الـمُمكِن للإنسان أنْ يعيشَ الحياة، ويخوض مُعترَكها وعُبابها إلّا برسم نسيج من المفاهيم الـمُتشابِكة حوله، يضع فيه خُطَّة للعمل والفعل؛ سعياً لتحقيق أهداف وغايات مُعيَّنة، آمن بها، واعتقد أنَّها أصلح لحياته. والشاهد على خطورة هذه المشكلة وتبعاتها هو ما يتطلَّبه بناء التصوُّر الـمُتكامِل والفاعل للعمران البشري من التأسيس لرؤية كُلِّية شاملة قبل البَدْء بتكوين صورة العمران المطلوب في مكان وزمان مُعيَّنين، أو في مختلف الظروف الحضارية.
وهذه الرؤية يجب أنْ تكون نابعة من مرجعية مصدرية مُعيَّنة، كأنْ تكون وحياً دينياً، أو كوناً مادياً، أو تصوُّراً عقلياً، ثمَّ يجب أنْ تجمع كل أطراف الوجود والحياة في حُكْم نسقي كُلِّي واحد، يتنـزَّل منهجياً على كل الوقائع الـمُفرَدة والجزئية؛ ما تسبَّب في حيرة الفلاسفة قديماً وحديثاً؛ ذلك أنَّ مصادرهم كانت غالباً مصادر بَعْدية (أيْ بعد تجربة لعين الوجود)، وليست ماورائية (أيْ ما بعد الوجود وقبله؛ وهو ما يحيط به كله).
هذا العمل مرخص بموجب Creative Commons Attribution-NonCommercial-NoDerivatives 4.0 International License.
الحقوق الفكرية (c) 2023 المعهد العالمي للفكر الإسلامي