Abstract
يُعدّ مفهوم المثاقفة من أكثر المفاهيم مراوغة، فهو –من ناحية- جسرٌ للتواصل بين الأفكار، وعامل مهم في تأسيس النظريات والمشاريع، وفي تغذية الذات بما يساعد في نموها، وهو –من ناحية أخرى- يضع الذات في صورة المتلَقِّي الذي لا يملك قرار الاختيار، لا سيما إذا كانت فعل المثاقفة ذا طابع إكراهي، وهو ما نلاحظه في علاقة المستعمِر بالمستعمَر. وتبقى المثاقفة ضرورة حضارية ووجودية؛ إذ مارسته الحضارات جميعها، ومنها حضارتنا العربية الإسلامية. ومع أنّ الثقافة العربية الإسلامية قد دارت في جملة عناصرها حول النص الديني وتنـزيله على الواقع، ونشأت نتيجة ذلك العلوم وتطورت، في حقول الشريعة واللغة والفن والعمران المادي والاجتماعي والنفسي إلخ، فإنَّنا نجد كذلك أنّ هذه الثقافة قد تفاعلت مع عناصر الثقافات الأخرى، ولا سيما في مجال الفلسفة، والطب، والحساب، والفلك، ضمن مثاقفة تعاقبية كما حدث مع الثقافة اليونانية، ومثاقفة تزامنية كما حدث مع الثقافتين الفارسية والهندية.
وإذا انتقلنا للحديث عن طبيعة المثاقفة في العصر الحديث، نجد أنّ بعض الكتابات استشعرت خللاً في عملية التثاقف التي يفرض فيها القويُّ ثقافته بجميع تجلياتها، بوصفها الطريق الأوحد للرقي ولدخول بوابة العصر، ودعت هذه الكتابات المفكرَ العربيَّ والمسلمَ إلى إبراز الجوانب الإشكالية المتأزمة، وجوانب الخلل في قراءة الذات عند التعامل مع الآخر؛ فثمة تعامل غير نقدي، وغير واعٍ، مع النظريات الغربية، غيّب خصوصية المجتمع العربي المسلم. وكشفت هذه الكتابات عن أنّ هناك وهْماً يُدعى كونية النظرية وعالميَّتَها؛ إذ تغدو النظرية، التي صاغها الغرب (المركز)، وعاءً لكل الأنظمة المعرفية (الهامش)، بغض النظر عن الاختلافات بين الشعوب في المجالات الثقافية والمعرفية والاجتماعية، إلخ، مما يوحي بفكرة أن ليس للمجتمعات نماذج معرفية خاصة بها. وردّاً على هذا التصوّر ...
للحصول على كامل المقالة مجانا يرجى النّقر على ملف ال PDF في اعلى يمين الصفحة.
When an article is accepted for publication, copyrights of the publication are transferred from the author to the Journal and reserved for the Publisher.