Abstract
ثمَّة مقاربة مألوفة لدى الباحثين ترى أنَّ المنهج يتصف بالموضوعية والحياد وعدم التّحيُّز، على أساس أنّه إجراءات عملية يَتَوسَّلُ بها الباحث إلى قصده وغايته، فهو بهذا المفهوم يشبه أدوات البناء التي يتصرَّف بها البنّاء، وفق التصميم الذي يضعه المهندس، ليتقيد به البنَّاء عند التنفيذ. فإذا كان التصميم يعبّر عن درجة من الانتماء لِهُويَّة ثقافية، والاستمداد من إرث حضاري معين، ومن ثَمَّ فهو يتّصف بالتحيّز، فإنَّ مواد البناء تبقي هي نفسُها مهما كان التصميم، ومن ثَمَّ فهي موضوعية حيادية غير متحيزة. وعلى هذا الأساس ترفض هذه المقاربة أن يوصف المنهج بأي وصف يحيل إلى عقيدة دينية، أو مذهب فكري، أو دائرة حضارية، فلا يقال منهج إسلامي، أو فلسفي، أو غربي!
وفي الجدل حول هذا الموضوع، يَرِدُ الحديث عن مناهج تَتَلبَّس بالتحيز بصورة لا يتطرق إليها الشك، من مثل المنهج الذي وظَّفه كثيرٌ من المستشرقين في دراسة التاريخ الإسلامي مثلاً، أو المنهج الذي يوظفه المحافظون الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية في دراسة قضايا العالم الإسلامي المعاصر، وغير ذلك من الأمثلة. وفي الرد على هذه المقولة، يقال إننا لا نتحدث في هذه الحالة عن المنهج وإنما نتحدث عما يطلق عليه "ما قبل المنهج" أو "ما بعد المنهج"، أو "ما وراء المنهج"، إلخ، وذلك تعبيراً عن العقيدة المذهبية أو المرجعية الفكرية التي ينتسب إليها الباحث وتُشكِّل قناعاته، ومن ثم ينتقل الجدل إلى التمييز بين المنهج والمذهب.
ويبدو أنَّ المفردات اللغوية التي تستعمل في هذا الجدل تؤثر في اتجاهات الجدل ونتائجه. فلننظر مثلاً إلى تشبيه المنهج بالطريق بدلاً من مواد البناء، لا سيما أنَّ الدلالة التي تعطيها معاجم اللغة، ومواقع ألفاظ المنهج والمنهاج والنهج في الاستعمال تجعلها إشارة مباشرة إلى الطريقة التي يُتَوَسَّل بها للوصول إلى الهدف المنشود. فإذا انتقلنا إلى التمثل العملي (المادي) للسير في الطريق، كما فعلنا بتصور علاقة مواد البناء بالتصميم الهندسي، فإنَّ للسير في الطريق نقطةَ بداية، ونقطةَ نهاية، وخطَّ سير له اتجاه محدد، وعندها سيكون السؤال عن مدى تأثير كلٍّ من نقطة البدء في المسير ونقطة الانتهاء ...
للحصول على كامل المقالة مجانا يرجى النّقر على ملف ال PDF في اعلى يمين الصفحة.
When an article is accepted for publication, copyrights of the publication are transferred from the author to the Journal and reserved for the Publisher.