الملخص
هذا سفر بالغ الجدة والطرافة، عميق في مغزاه جديد في منهجه. بهذه العبارات، وربما بأكثر منها، يمكننا أن نقدم هذه الدراسة القيمة لعبد المجيد الصغير، فنقول: إن قراءة تاريخ علم أصول الفقه بهذه الصورة الشاملة -التي لم تجرد نشأة ذلك لعلم وتطوره من الظروف السياسية التي أدت إلى إنتاجه والتي أبرزت العلاقة الجدلية المتبادلة بين ذلك العلم وتلك الظروف السياسية- إضافة جديدة لتاريخ نشأة هذا العلم وتطوره، غفل عنها ابن خلدون كما بين ذلك عبد المجيد الصغير بكثير من الأدلة وبالتفاصيل التي لا غنى من الرجوع إليها في كتابه.
إن بيان أهمية الجانب السياسي في علم أصول الفقه هو أمر مهم له قيمته العلمية في فهم حركة العلم في السياق العربي الإسلامي بصورة هي أقرب وأدق من تلك الصورة التي تزدحم بها كتب الطبقات والسير لأعلام علم أصول الفقه التي تركز كثيراً على التجريد، وتعرض القضايا وكأنما كتبت في فراغ سياسي وكأنما أولئك الأصوليون كانوا منعزلين عن قضايا السلطة والشرعية والطاعة والحراك الاجتماعي والسياسي الذي كان يمور به الاجتماع البشري في عصرهم، وبسبب الذهول عن تلمس الجانب السياسي في مدونات الأصوليين على أساس أنها لا تمت للسياسة بنسب وأنها علم خالص أريد به تقعيد القواعد، ونصب الموازين التي تحكم عمل الفقيه وتضبطه، فإن أي حديث عن مغزى سياسي أو إرادة فكرية لترتيب القوى ونظم اكتساب الشرعية وفقدانها أو إظهار العلاقة الجدلية بين سلطة العلم وسلطة السياسة أو محاولة إبراز الدوافع السياسية وراء المقولات الأصولية، أو المغزى السياسي للمشروع الأصولي الذي يعني (بالبيان) كما هو الحال عند الشافعي أو الذي يعني (بالبرهان) كما هو عند الإمام الشاطبي ثم توضيح الصلات والآليات السياسية التي حركت المشرعين وجعلت أمر التعبير عن سلطة العلم والمعاني السياسية التي يعبر عنها تتخذ أشكالاً تلائم التحديات التاريخية وتسعى إلى بيان مرونة فقه تنـزيل النصوص على مستجدات الوقائع، والذي هو في مجمله وعي سياسي تشكل في نص علمي، أي أن حركة العلم في السياق الإسلامي لا تنفصل عن السياسة. نقول إن إثبات هذه الدعوى يبدو ميسوراً في فروع العلوم الإسلامية الأخرى، ولكنه بلا شك صعب المنال في مجال علم أصول الفقه بسبب استحكام العادة فيه على اعتبار إن غاية الضبط والتأصيل في ...
للحصول على كامل المقالة مجانا يرجى النّقر على ملف ال PDF في اعلى يمين الصفحة.
جميع الحقوق محفوظة للمعهد العالمي للفكر الإسلامي، ولا يسمح بإعادة إصدار هذا العدد دون إذن خطي مسبق من الناشر.
هذا المُصنَّف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف - غير تجاري - منع الاشتقاق 4.0 دولي.