Abstract
تنطلق جهود إسلاميّة المعرفة من تشخيص الأزمة التي عانت الأمّة منها عبر تاريخها ونعاني منها في حاضرها، واعتبار أن هذه الأزمة في حقيقتها هي أزمة فكريّة، وأن سائر الأزمات الأخرى في جوانب حياة الأمّة رغم عمقها وتجذّرها إنما هي نتيجة للأزمة الفكريّة أو مظهر من مظاهرها. فالأزمة الفكريّة هي الأم والعلّة الكبرى. وهذه الأزمة الفكريّة ليست طارئة حديثة العهد، وإنما تعود بعض مظاهرها وبعض عواملها إلى مراحل مبكرة في تاريخ الأمّة تمثلت بعض جوانبها في الخلاف حول قضيّة الإمامة العظمى، وجدل العقل والنّقل والفصام بين القيادة الفكريّة والسياسة، وما نتج عن ذلك كله من مسلسل الإنقسامات والانحرافات.
وكثير من الجهود الفكريّة الّتي رافقت مسيرة الأمّة في تاريخها كانت تستهدف مواجهة هذه القضايا والظروف. وهي جهود تحتاج إلى مراجعة وتقويم وإعادة صياغة بما يخدم قضايا الفكر المعاصر. فقد أصبحت هذه الجهود المتراكمة تراثاً مختلطاً تتفاوت النّظرة إليه فمن يرى أنّه تجربة الأمّة ودينها المقدّس، ومن يرى أنّه تاريخ مضى بأصحابه، فَلِمَ الإلتفات إليه؟ ونحن نلهث وراء أمم معاصرة تحتاج إلى بذل كل الجهود والطاقات وكسب الوقت للحقاق بركبها. لذلك فإن هذه المراجعة تستلزم التمييز بين ما هو دين ووحي يتصف بالعصمة والقداسة وما هو اجتهاد بشري في تتريل قيم الوحي على واقع الحياة وظروفها المتجددة ويتصف باحتمال الخطأ والصّواب.
وفي هذا السياق نستطيع أن نفهم جهود العلماء السنة في جمعها وتدوينها، بدءاً بقرار الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، وتطوير الضوابط لحفظها وصيانتها من الوضع والكذب والعبث، وجهود البخاري ومسلم، وجهود علماء التفسير في وضع قوانين الفهم والتأويل والتفسير، وضبط الأدوار المنهجيّة لكل من النص والعقل، وجهود جمع قواعد أصول الفقه وتدوينه، وجهود الإمام الشّافعي والإمام أحمد في التعامل مع مشكلة المنهج، وجهود الأشعري في جمع مقالات الإسلاميين ورصدها وتحليلها وتقديم ملخّص للأركان العقديّة يمكن الاتفاق عليها، وجهود إمام الحرمين الجويني في معالجة قضيّة الإمامة والسياسة،وجهود الغزالي في إحياء علوم الدّين ومجاولته لتقديم نظريّة متكاملة في المعرفة، وجهود ابن رشد في رفع التناقض الموهوم بين الحكمة والشريعة وجهود ابن الحزم في العودة إلى مناهجيّة خير القرون، وجهود ابن تميمة في درء تعارض العقل والنقل، وجهود ابن خلدون في تأسيس معالم العلوم الاجتماعيّة... وغيرها.
ويبدو أن الأمّة لم تبرأ من الإصابات الّتي انتابتها في فكرها وواقعها، ولذلك فقد استمرّت محاولات الإصلاح والتّجديد فبما بعد، وتمثّلت في جهود سلسة من المصلحين وتلاميذهم، ومن ذلك جهود شاه ولي الّله الدلهوي في الهند، وجهود الشيخ محمد بن عبد الوهاب في النّجد، والإمام الشوكاني في اليمن. ومن ذلك جهود الآلوسي في العراق، والطباطبائي في إيران والسنوسي في ليبيا، والمهدي في السّودان، ثم جهود الأفغاني ومدرسته، والكواكبي وجمعيّته، وابن باديس، ثم جهود البنا، والمودودي، وسيد قطب، ومالك بن نبي، والنبهانيّ، والغزالي، والندوي، وغيرهم من قادة الحركة الإسلاميّة الحديثة. فمنهم من قضى نحبّه ز منهم من لا يزال ينتظر ...
للحصول على كامل المقالة مجانا يرجى النّقر على ملف ال PDF في اعلى يمين الصفحة.
When an article is accepted for publication, copyrights of the publication are transferred from the author to the Journal and reserved for the Publisher.