الملخص
اهتمت الحضارة الإسلامية اهتماماً عظيماً بتدوين التاريخ -بِشِقَّيْه: تاريخ الحوادث وتاريخ الرجال- قَلَّ أن تدانيها في ذلك حضارة من الحضارات أو أمة من الأمم،[1] ولقد افْتَنُّوا في ذلك افتناناً يدعو إلى الدهشة والإعجاب، فألفوا في التاريخ السياسي الأسفارَ الطوال، وبسطوا القول في الحديث عن الملوك والخُلَفاء، والأفراد، والحروب، ومظاهر الحضارة، ودرسوا مجتمعاتهم من النواحي المختلفة،[2] كما صنفوا في تاريخ البلدان، وترجموا من وَرَدها من الصحابة والتابعين، وتراجم من نشأ فيها وتوطنها ونُسِبَ إليها أو إلى نواحيها، ومَن دخلها من غير أهلها غازياً أو تاجراً أو طالباً للعلم.
ومما يدعو إلى الإعجاب والإكبار أن علماء المسلمين ألفوا في طبقاتٍ شتى من الناس على اختلاف تخصصاتهم واهتماماتهم واتجاهاتهم وصِفَاتِهِم، ولقد كان رُواة الحديث مِن هؤلاء الذين عُني بهم فريقٌ من المصنفين عناية خاصة، بل ظهرت عناية المسلمين بتراجم هؤلاء الرجال منذ العصر الأول للإسلام، فتحدثوا عن فضائل بعض الصحابة مما مُلئت به كُتب الحديث، وكان هذا داعيًا للمؤرخين بعد ذلك لأن يحتذوا هذا الحذو ويقفوا على فضائل التابعين ومن بعدهم.
ولقد كان من نتائج اتساع الحركة العلمية وكثرة رواية الحديث أن رأى العلماء أنفسهم بين أصناف متعددة من الرواة، فبحثوا عن كل راوٍ وحللوه، وتعددت الآراء المختلفة في التجريح والتعديل، فجُمِعَت الأخبار في نقد الرواة وبيان حالهم من حيث قبول عدالتهم وضبطهم، ودونت سيرته ومولده ووفاته ورحلته وشيوخه وتلاميذه ومسموعاته ومروياته ومؤلفاته -إن كانت له مؤلفات- ومدى دقته في الرواية ومدى اعتماده في الرواية على الحفظ أم الكتاب، ومقياس تورعه وتدقيقه في رواية ما يحفظ، إلى غير ذلك، فعلوا ذلك لارتباطه بالمسائل المتعلقة بكتاب الله وسنة نبيه وأصول التشريع وفروعه، وقد قال أحدهم: "إنَّ هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم."[3] ...
للحصول على كامل المقالة مجانا يرجى النّقر على ملف ال PDF في اعلى يمين الصفحة.
جميع الحقوق محفوظة للمعهد العالمي للفكر الإسلامي، ولا يسمح بإعادة إصدار هذا العدد دون إذن خطي مسبق من الناشر.
هذا المُصنَّف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف - غير تجاري - منع الاشتقاق 4.0 دولي.