الملخص
ما فتئ جورج طرابيشي منذ بضع سنوات يتتبع أصحاب المشاريع الفكرية العربية المعاصرة بالتحليل والنقد وإرجاع دعاويهم إلى أصولها والتنبيه إلى غثّها وسمينها (دراسته الضافية لمشروع حسن حنفي من العقيدة للثورة، وكذلك لمشروع الجابري في إعادة بناء العقل العربي...). وها هو ذا يتوقف من جديد عند مواقف بعض المثقفين العرب المعاصرين من إشكالية لا تزال تثير حولها سيولاً من الحبر: المعاصرّة والإرث التراثي، في كتاب جاء أكثر "استفزازاً" وسجالية، بعنوان مذبحة التراث في الثقافة العربية المعاصرة، صدر عن دار الساقي بلندن سنة 1993، ويحتوي 135 صفحة من الحجم المتوسط.
وقد قسمه ثلاثة أقسام -أو "مذابح نظرية"- تغرّض في أولها للتيار الماركسي، وفي الثاني للتيار القومي، وفي الثالث لما أسماه بالتيار التعلمي، مصدِّراً عرضه بمقدمة قصيرة علل فيها حديثه عن المذبحة التي يقوم بها عينة من المثقفين موضوع الدراسة للتراث. وهي مذبحة لأنها تكشف منذ هزيمة 1967 "عن مأزق الأيديولوجيات الثورية وفشلها" (ص6)، مما يدفع بهؤلاء إلى الارتكاس إلى التراث للصراع حوله وتبني طرف فيه ضد آخر، أو لتحويله إلى فكرانيّة (أيديولوجيا) تراثية خالصة.
وهذه العودة إلى التراث عند العرب محكومة، كما يرى المؤلف، "بجرح نرجسي ذي طبيعة أنثروبولوجية"؛ وهذه العقدة قاسم مشترك يجمعهم ببقية الشعوب غير الغربية. ولكن هذا الجرح يزداد اتساعاً ونزيفاً بحكم الهزيمة العربية أمام المشروع الصهيوني (ص6). ويرى المؤلف أن التراث "المؤدلج" هو في جميع الحالات فاقد للحقيقة التاريخية مهما اختلف الموقع الذي نتعامل منه معه، ومهما اختلفت الأساليب والمناهج المعتمدة في ذلك التعامل. وعلى ذلك يحدد طرابيشي طبيعة اللحظة التي نعيشها بوصفها "لحظة أيديولوجية" بامتياز (ص7).
وتكمن قوة هذا التحديد وقيمته في إطلاقيته وجعله المدار المحرك لكل التحليلات التالية، فهو عند المؤلف حقيقة ثابتة لا تحتمل المساءلة أو المراجعة، وهو البداهة ذاتها، ويتوقف على التسليم بها قبول منتجاتها اللاحقة. وانطلاقاً من هذه القاعدة المؤسسة، يمضي جورج طرابيشي في عرضه وتحليله لمظاهر هذه "المذبحة" عندن ممثلين اختارهم عن التيار الماركسي (توفيق سلوم) ...
للحصول على كامل المقالة مجانا يرجى النّقر على ملف ال PDF في اعلى يمين الصفحة.
جميع الحقوق محفوظة للمعهد العالمي للفكر الإسلامي، ولا يسمح بإعادة إصدار هذا العدد دون إذن خطي مسبق من الناشر.
هذا المُصنَّف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف - غير تجاري - منع الاشتقاق 4.0 دولي.