Abstract
منذ بدايات نمو التفكير الجدلي في الإنسان؛ لاحظ هذا الكائن العاقل أن التطور سنة الحياة، وأن هذا التطور يلازمه من رحم أمه إلى مولده، وشبابه وشيخوخته، ولن يبقى على حال في أية حال. كل شيء يجري، وأجرام السماء تتحرك، وكلٌ في فلك يسبحون، والجبال تمر مر السحاب، صنع الله الذي أتقن كل شيء. ولا يستطيع أيٌ فرد أن يغتسل من النهر نفسه مرتين؛ ذلك أن ماءه، كما قال الفيلسوف اليوناني هرقليطس (540-480ق.م.) يكون قد تغيّر. ويرى الإنسان "أن وراء هذه الأطوار في الطبيعة عقلاً كونياً، ووجوداً واحداً هو أصل جميع الأشياء، ثابت لا يتغير، هو الله." وقد يكون هذا هو بعض تأويل الآية الكريمة التي ترمز إلى تطور الأشياء، وخلود الخالق ﴿كل يوم هو في شان﴾ (الرحمن: 29)، والله أعلم. فليس التطور فكراً فلسفياً مجرداً؛ بل هو واقع ملموس، وظاهرة بيّنة. ألسنا نحسّ جميعاً بأن المجتمع البشري يتطور وينمو باستمرار، ولا شيء فيه يثبت على حال. وإذا كان انتقاله من بساطة الطبيعة إلى تعقيدات الآلة الصناعية استغرق آلاف السنين؛ فإن تحوله من عصر الآلة إلى عصر الإنترنت والفضاء الإلكتروني لم يستغرق إلا لمحة بصر قياساً على ما سبق. ولم يكتف التطور المشهود بإزاحة المظهر المادي للمرحلة الغابرة أو تغييره؛ بل جرف معه كثيراً من القيم التي ظنّ في حينها أنها لن تغيب، كالعبودية، والسخرة، والتمييز العنصري، وقهر الشعوب المستضعفة، وتركز السلطة في شخص الحاكم.
وإذا كان هذا هو حال البناء التحتي فليس لأحد أن يجادل عن الظواهر الفوقية التي لا مناص لها من متابعة ما يجري تحتها من التغيير.
وهذا هو حال القانون الذي يتطور باستمرار تبعاً لتطور أوضاع المجتمعات كما يكون دافعاً للتطور في بعض الظروف والأحوال. فلا يعقل أن يكون الفقه المدني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يعالج العلاقات الاجتماعية والتجارية والسياسية لأفراد المجتمع بمأمن من رياح التغيير؛ ذلك أنه بدون مساوقة حركة المجتمع، وملاءمة ظروفه يصبح الفقه متخلفا عن أداء مهمته، كما يصبح القانون فارغاً عن مضمونه وحكمته ...
للحصول على كامل المقالة مجانا يرجى النّقر على ملف ال PDF في اعلى يمين الصفحة.
When an article is accepted for publication, copyrights of the publication are transferred from the author to the Journal and reserved for the Publisher.