الملخص
ولَّد انشغال الفكر البشري بمسألة أصل الكون ونشأته، من حيث هو تركيب مُنظَّم منذ وقت مُبكِّر، ثلاثة اتجاهات مركزية؛ الأوّل: اتّجاه اللا أدرية الذي ولَّد الخُرافة والسِّحْر، ويعتمد على المصادفة في تفسير جميع الظواهر الكونية. والثاني: الاتجاه الحلولي الذي يرى أنَّ الكون قد أنشأ نفسه بنفسه، وأنّه اتخذ صوراً مختلفةً لفكرة واحدة، يُعبِّر عنها كل فيلسوف بطريقته الخاصة، لكنَّه يُكرِّر الشيء نفسه منذ زمن ديمقريطس وهرقليطس إلى يوم الناس هذا. والثالث: الاتّجاه الذي يقول: إنَّ الكون قد أوجدته قوَّة مستقلة عنه. ويتفرّع هذا الاتجاه إلى اتجاهين، هما: الاتجاه الديني الذي يقول بالخالق، والاتجاه الفلسفي الإغريقي الذي يقول بالصانع الـمُبدِع.
والحضارة المعاصرة قامت بوصفها رَدَّة فعلٍ على الكنيسة، فكانت حضارة مادِّية في جوهرها، قادت شعوب الغرب غالباً إلى حالة من الفراغ الروحي والأخلاقي الذي لم يُبْقِ لهم في حياتهم سوى طلب اللذَّة والمتعة؛ لأنَّ الإنسان هو مرجعية ذاته في تقرير جميع أحكامه، فغدا بذلك لا يُفرِّق بين الفطري والـمُنحرِف، ولا بين الأخلاقي والبهيمي، وأصبح يعيش في مجتمع مُتذبذِب بين الحلولية واللا أدرية.
ومن ثَمَّ، فإنَّ هذا البحث يهدف إلى النظر في مفهوم "الإنسان الخليفة" في أصوله والأبعاد الـمُكوِّنة لماهيَّته وهُوِيَّته بوصفه إنساناً، والكشف عن خصائص الإنسان السُّنَني برصد الإنسان الخليفة وعلاقته بالسُّنَن الفطرية والنفسية والكونية، ثمَّ النظر السُّنَني في الأصول المعرفية للتفكير الحداثي، وإعادة توجيهها بقِيَم الاستخلاف والعمران.
هذا العمل مرخص بموجب Creative Commons Attribution-NonCommercial-NoDerivatives 4.0 International License.
الحقوق الفكرية (c) 2023 المعهد العالمي للفكر الإسلامي