الملخص
هذه الدراسة محاولة لبيان طريقة تعامل فكرين وإن اختلفا من حيث المنطلقات والمناهج إلا أنهما اشتركا في توظيفهم العقل لفهم السُّنة وبيان خصوصياتها، فالتعامل مع السُّنة وطرائق فهمها؛ سواء بالنسبة للمدرسة الأصولية أو الحداثية لا يقتصر على مجرد استحضار الأحاديث وفهم مدلولاتها القولية وحتى العملية، بل يقتضي الأمر قبل ذلك فهم طبيعة السُّنة وكيفية توظيفها من حيث القبول والتنـزيل، وهو ما تم تناوله انطلاقاً من إشكالات ثلاثة: إشكال الوحي، وبيان طبيعة السُّنة من حيث مصدرها، وما تتسم به من خصوصيات، ففي الوقت الذي يؤكد فيه الأصوليون الطبيعة الغيبية للسُّنة رغم ما أوردوه من استثناءات، يتجه الفكر الحداثي إلى أشكلة الموضوع والمطالبة بإعادة إخضاعه للنقد والمساءلة.
كما تثير إشكالية صلاحية الاستدلال بالسُّنَّة من الناحية التوثيقية قضية إمكانية تحصيل اليقين فيما وَصَلنا من مرويات، وهي وإن كانت يقينية في المتواتر أوقريبة منه فيما ما عضدته القرائن عند الأصوليين، فالقضية غير مسلّم بها عند الحداثيين مادام الأمر لم يستحضر البيئة التي دونت فيها السُّنَّة وكلّ المعطيات والدوافع.
ويظهر الموضوع أيضا إشكال البيئة في فهم السُّنَّة لما لها من أثر على مستويي: مجال التوظيف (إمكانية التعميم) وكيفيته (ضوابط التنـزيل) وهو ما اقتصر عليه الفكر الأصولي، أما الحداثي فاتجه بحثه نحو بيان أثر البيئة من ناحية تشكّل النص في ظلها، ومن حيث انحصار تأثيره داخلها بما يسوّغ القول بتاريخية السُّنَّة.